أعظم نساء الأرض :«حليمة السعدية» رضوان الله عليها

د. رانيا سالم
د. رانيا سالم

كتب : د. رانيا سالم

كان للنساء دور بارز فى التاريخ الإسلامى سواء بكونهن أمهات أو مجاهدات أو عابدات، وكانوا أيضاً عنواناً مشرفاً للتحمل والإرادة، وتحدين أصعب الصعاب خضن الحروب، وتعرضن للمخاطر والاستشهاد وكانت المرأة وقت ذلك هى بمثابة السند والدعم لمجتمعها وأسرتها حيث كانت حياة النبى الكريم كلها خير وبركة، منذ طفولته والله سبحانه وتعالى يبارك فيه حيثما حل ولعل قصة مرضعته حليمة السعدية لهى أكبر دليل على ذلك.

ولقد كانت حليمة من النساء الصادقات الموفقات لخدمة النبى صلى الله عليه وسلم هى حليمة بنت عبدالله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن قيسا بن رزام بن ناصرة بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة، من بادية سعد بن بكر بنى بكر عيلان، أبناؤها هم كبشة، وأنسية والشيماء.. وأبناؤها من الرضاعة محمد صلى الله عليه وسلم، حمزة بن عبدالمطلب رضى الله عنه سيد الشهداء وعم النبى، أبا سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، فكانت السيدة حليمة السعدية سيدة من نساء بنى سعد بن بكر جاءت مع قومها لترضع خير خلق الله يتيم عبدالمطلب وأخدته معها حتى تجاوز الخمس سنوات بشهر واحد، غمرتها فيها بركاته صلى الله عليه وسلم.

اقرأ ايضاً| «السرقة من المسلمين» كتاب يكشف تحايل أوروبا على العمارة الإسلامية

فقد كانت عادة الأشراف من العرب: أن ترسل بأولادها إلى البادية للارتضاع، حتى يشب الولد وفيه طهارة الجو الطلق، وفصاحة اللغة البدوية، التى لم تشبها رطانة الحضر المختلط من صنوف مختلفة، وشجاعة القبائل التى لا تعرف جبناً بواسطة قيود المدينة، وصفاء النفس التى تشمل انطلاق الصحراء. وهكذا ارتأى جد الرسول (صلى الله عليه وسلم) عبد المطلب، وجرياً وراء هذه العادة، كانت نساء القبائل تأتى فى كل سنة إلى مكة المكرمة لتأخذ أبناء الأشراف وذوى المناصب والجاه، فأمر عبدالمطلب أن يؤتى بالمرضعات، ليختار منهن واحدة، لحفيده الميمون. فأتت النساء، تسعى إلى عبدالمطلب لتنال هذا الشرف الذى فيه مفخرة إرضاع هاشمى والنيل من رفد زعيم مكة.

فلم يقبل (الوليد)- وهو النبى (صلى الله عليه وآله وسلم)- ثدى أية امرأة منهنّ، فكن يرجعن بالخيبة، وكأن (الله) سبحانه لم يشأ إلا أن ترضع النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) امرأة طاهرة نقية.

وهكذا حتى انتهى الدور، إلى امرأة شريفة عفيفة تسمى (حليمة السعدية)، فلما مثلت بين يدى عبدالمطلب سألها عن اسمها، ولما أُخبر باسمها، تفاءل وقال: (حلم وسعد!!).. فأعطوها النبى صلى الله عليه وسلم) وإذا به يلقم ثديها ويقبل على الرضاعة ببهجة وحبور. فرح الجميع لذلك، وأخذوا يباركون الجد والمرضعة.

وهنا عادت حليمة إلى قومها بخير الدنيا، وسعادة الآخرة، تحمل الوليد المبارك، وشاءت الأقدار أن تدرّ على قبيلة حليمة الخير والبركة، بيمن هذا المولود الرضيع.. وقالت (رضى الله عنها): «لم أر قط ما يرى للأطفال طهارة ونظافة، وإنما كان له صلى الله عليه وسلم، وقت واحد، ثم لا يعود إلى وقته من الغد، وما كان شىء أبغض إليه من أن يرى جسده مكشوفاً، فكنت إذا كشفته يصيح حتى استر عليه»، وقالت «سمعته لما تقت له صلى الله عليه وسلم سنة يتكلم بكلام لم أسمع أحسن منه، سمعته يقول: «قدوس قدوس نامت العيون والرحمن لا تأخذه سنة ولا نوم»، وقالت: «ناولتنى امرأة كف تمر من صدقة فناولته منه، وهو ابن ثلاث سنوات، فرده علىّ وقال: يا أمة الله، لا تأكلى الصدقة، فقد عظمت نعمتك وكثر خيرك، فإنى لا آكل الصدقة» قالت: فوالله ما قبلتها بعد ذلك من أحد من العالمين».

ومن بركات الله تعالى (عز وجل) أن السماء كانت تهطل عليهم بركة وسعة وفضلاً، والوليد الرضيع ينمو نمواً مدهشاً على غير عادة أمثاله، ويوماً بعد يوم تظهر فى سماته آثار العز والجلال، مما تنبئ بمستقبل نير، فكانت القبيلة تتعجب من هذا الرضيع وأخذ الطفل يشب وينمو، ويقوى ويكبر، وفى صباح يوم تقع عينا حليمة وعيون القبيلة على وجه وضاء مشرق.

أخبارها مع النبى  صلى الله عليه وسلم قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرم مرضعته حليمة السعدية، ويتحفها بما يستطيع، فعن شيخ من بنى سعد قال: قدمت حليمة بنت عبدالله على رسول الله مكة، وقد تزوج صلى الله عليه وسلم خديجة، فشكت جدب البلاد، وهلاك الماشية، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خديجة  رضوان الله عليها فيها، فأعطتها أربعين شاة وبعيراً، وانصرفت إلى أهلها، وكانت المرة الثانية التى التقت فيها النبى صلى الله عليه وسلم يوم حنين.

وفاتها

لقد عاشت حليمة السعدية حتى بلغت من الكبر عتياً، ثم رأت الطفل اليتيم الذى أرضعته قد غدا للعرب سيداً وللإنسانية مرشداً وللبشرية نبياً، ولقد وفدت عليه بعد أن آمنت به وصدّقت بالكتاب الذى أنزل عليه، فما أن رآها حتى استطار بها سروراً وطفق يقول: أمى أمى، ثم خلع لها رداءه وبسطه تحتها وأكرم وفادتها أبلغ الإكرام، وعيون الصحابة تنظر إليه وإليها فى غبطة وإجلال صلوات الله وسلامه على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سيد الخلق الوفى صاحب الخُلق الكريم، وهكذا تشرفت هذه السيدة الطاهرة باحتضان أشرف خلق الله وقد خصها الله تعالى بهذه الفضيلة فحازت الكرامة فى الدنيا وغاية الشرف فى الآخرة ووشحت اسمها بأمومة النبى من الرضاعة..إنها السيدة الجليلة «حليمة السعدية» رضوان الله عليها.

كل عام والأمة الإسلامية بخير..